جامعات ومعاهد ومدارس متعددة المناهج، تملأ جنبات الوطن العربي، وفي نهاية المطاف نجد أن النفط يمثل 76% من الصادرات السلعية العربية، بينما الصادرات ذات التكنولوجيا المتقدمة أرقامها هزيلة، لا تكاد تذكر، وكأن الإنفاق على التعليم بكافة مستوياته في العالم العربي بلا عائد.
حتى أن تصنيف هيكل الصادرات العربية في التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2015، والذي تصدره جامعة الدول العربية، لا يتضمن إدراج الصادرات ذات التكنولوجيا المتقدمة، وإنما يشمل الصادرات الزراعية والوقود والمعادن والمواد الكيماوية والآلات ومعدات النقل والمصنوعات الأساسية.
ودلالات هذا الأداء العربي، تعكس وضع جميع دوله على مؤشر التنمية، والذي يدرج كافة الدول العربية ما بين تصنيف دول نامية، أو دول أقل نموا، وذلك على الرغم من أن بعض دول العالم العربي تحظى بأعلى مستوى متوسط دخل سنوي على مستوى العالم، وهو متوسط دخل الفرد في قطر والذي يصل إلى نحو 85 ألف دولار في العام.
وصادرات التكنولوجيا المتقدمة كما تعرفها قاعدة بيانات البنك الدولي، وتصنف على أساسها أداء الدول، هي "منتجات ذات كثافة عالية من حيث التطوير والبحوث، مثل مجال الفضاء الجوي، أجهزة الحاسوب، المنتجات الصيدلانية، الأدوات العلمية والأجهزة الكهربائية".
وبالاطلاع على أداء الدول العربية بقاعدة بيانات البنك الدولي، عن الصادرات ذات التكنولوجيا المتقدمة، وجد أنها أرقام هزيلة، وتقتصر البيانات الموجودة على عام 2013، ولا تتوفر البيانات في شكل سلسلة زمنية لمعظم الدول.
مثلًا، الإمارات والبحرين والسودان تتوقف البيانات الخاصة بها عند عام 2011، وقطر تتوقف بياناتها عند عام 2012، بينما الكويت يتوفر عنها بيان وحيد لعام 2013، وهناك دول لا يتوفر عنها بيانات بسبب الأوضاع التي تمر بها من صراعات مسلحة، مثل ليبيا وسورية والعراق، بينما هناك دول أخرى لا توجد فيها صراعات مسلحة، ولكنها تعيش حالة من التخلف العلمي تمنعها من المساهمة بالصادرات ذات التكنولوجيا المتقدمة، مثل موريتانيا وجزر القمر، والصومال.
من خلال البيانات المتاحة عن أداء الدول العربية في مجال الصادرات ذات التكنولوجيا المتقدمة في قاعدة بيانات البنك الدولي، على مدار الأعوام 2011، 2012 و2013، تبين أن الأداء شديد الضعف، فهو لا يزيد عن 1.72 مليار دولار و1.36 مليار دولار و1.51 مليار دولار، على التوالي، في حين أن إجمالي الصادرات السلعية العربية في تلك الأعوام وصل إلى 1.19 ترليون دولار، و1.32 ترليون دولار، و1.31 ترليون دولار.
وتزيد تركيا في مضمار تصدير السلع ذات التكنولوجيا المتقدمة عن أداء جميع الدول العربية خلال السنوات الثلاث محل المقارنة، وإن كان بفارق ليس بالكبير، حيث حققت تركيا 1.9 مليار دولار، و1.9 مليار دولار، و2.1 مليار دولار.
بينما يتخطى الكيان الصهيوني، أداء العالم العربي بفارق شاسع، وصل إلى 8.8 مليارات دولار و9.2 مليارات دولار و9.6 مليارات دولار، في نفس الفترة، مع الأخذ في الاعتبار الفارق في عدد السكان والإمكانات المادية، وكذلك عدد الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث، التي تأتي في صالح العرب، ولكنهم لا ينتجون ما يجعلهم يحتلون مراتب متقدمة في إنتاج التكنولوجيا المتقدمة.
وتشير بيانات البنك الدولي أيضا، إلى أن ماليزيا تعتمد بشكل رئيس على الصادرات ذات التكنولوجيا المتقدمة، حيث حققت 61.1 مليار دولار و61.2 مليار دولار و603 مليار دولار، في أعوام 2011، 2012 و2013.
المطلع على بيانات مؤشر التنمية البشرية العالمية الصادر عن تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عن عام 2014، يجد أن 5 من دول الخليج تحتل مراتب متقدمة، وتصنف في الترتيب الأول "تنمية بشرية مرتفعة جدًا".
فيما تأتي الدولة السادسة وهي سلطنة عمان في المرتبة الثانية بتصنيف "التنمية البشرية المرتفعة"، ومع ذلك لم يشفع لدول الخليج هذا التصنيف في تغيير واقعها الاقتصادي، وإحداث تغيير في هيكل صادراتها، وبخاصة في الصادرات عالية التكنولوجيا، فلا يزال النفط هو عصب اقتصاديات الخليج، وتمثل عوائده عماد موازنات تلك الدول.
في حين تأتي ماليزيا في المرتبة 66 وفق تصنيف التنمية البشرية بين دول العالم وبعد كل دول الخليج من حيث الترتيب، بينما صادراتها عالية التكنولوجيا تصل لنحو 61 مليار دولار سنويا، لأن العبرة في تصنيف تقرير أو مؤشر التنمية البشرية يعتمد على حجم الإنفاق على الصحة والتعليم وباقي الخدمات الأخرى، وكذلك نصيبه من الدخل.
يرتبط إنتاج التكنولوجيا بعوامل كثيرة، من بينها مستوى التعليم، وللأسف فإن العرب لا يزالون يعانون من وجود مستويات مرتفعة من الأمية، تصل في مصر لنحو 26%، وفي الإمارات إلى 10%، وفي موريتانيا لنحو 44%، وذلك لمن هم في سن أعلى من 15 سنة. فضلا عن ظاهرة التسرب من التعليم بكافة مراحله، وبخاصة في الدول العربية ذات الدخول المالية المنخفضة.
ومن الطبيعي أن وجود الأمية بهذه النسب العالية يحول دون توفير الأيدي العاملة المهارة المؤهلة لإنتاج سلع ذات تكنولوجيا متقدمة. فضلا عن أن توجهات الدول العربية في مجال التصنيع، لم يكن من بينها إنتاج التكنولوجيا، بل اعتمدت بشكل رئيس على استيرادها، فلا توجد صناعة في الدول العربية تنتج خطوط إنتاجها أو قطع غيارها.
وحتى تبني بعض المؤسسات لإنتاج التكنولوجيا أتى في إطار اجتهادات فردية، وليس في إطار مشروع لدولة من الدول العربية، ولذلك تهاجر العقول صاحبة هذه التجارب للخارج تبحث عمن يتبناها لتنفيذ ما لديها من إبداع في شكل سلع اقتصادية ملموسة.
وترصد كثير من الدراسات الاقتصادية مشكلة كبيرة في مجال التنمية بالدول العربية، وهي أن هناك فصلا شبه تام بين الصناعة والجامعات ومراكز البحوث، ولذلك تظل جهود الجامعات ومراكز البحوث بعيدة عن اهتمامات الصناعة واحتياجاتها، وكذلك الصناعة تتجه للخارج لاستيراد ما تريده من تكنولوجيا دون تحمل أعباء الإنفاق على البحوث والتطوير.
وفي ظل الطفرات المالية النفطية التي حظي بها العالم العربي، لم يتم الاهتمام بالاستثمار في مجالات الصناعة والبحث العلمي بالشكل المطلوب، ولكن غالبية الاستثمارات العربية البينية أو حتى القطرية، توجهت إلى مجالات العقارات والسياحة والتجارة، وقليل منها اتجه للزراعة، بينما الصناعة ظلت تعتمد على استثمارات محدودة سواء من قبل الدول أو الأفراد، وغالبًا ما كانت استثمارات الصناعة في الصناعات التقليدية، وليس الاهتمام بإنتاج تكنولوجيا جديدة، أو حتى تطوير ما تم استيراده من قبل، من أجل بناء تكنولوجيا وطنية.
وفي ظل هذا الأداء العربي تجاه إنتاج التكنولوجيا، ستظل المنطقة ينظر إليها من قبل الآخرين، على أنها مجرد سوق كبير يقترب من الـ 400 مليون نسمة، ومن أجل النهوض بأداء الدول العربية في مجال إنتاج التكنولوجيا لا بد من معالجة ما عرضناه من مشكلات تعتري هذا المجال، وبخاصة أن التقدم التكنولوجي يشهد تطورا مستمرا، ويضع العالم العربي أمام تحديات أكبر خلال المرحلة المقبلة